أفغانستان- بين نشوة الانتصار وتحديات الدولة المدنية والحريات

المؤلف: ساري حنفي08.13.2025
أفغانستان- بين نشوة الانتصار وتحديات الدولة المدنية والحريات

بعد استيلاء حركة طالبان على السلطة في أفغانستان، وتجاوزها للحكومة السابقة بقيادة أشرف غني، ظهرت تفسيرات متباينة لهذا الحدث. يرى البعض فيه نصرًا على التدخل الأجنبي ورفضًا للهيمنة الغربية، بينما يقارنه آخرون بحركات التحرر الوطني الأخرى، مثل حركة مصطفى أتاتورك في تركيا.

من خلال متابعتي للإعلام، لاحظت أن التحليلات غالبًا ما تكون سطحية، وتعكس استقطابًا حادًا في العالم العربي والإسلامي، مما يعيق الفهم العميق للواقع.

يثار هنا تساؤل جوهري: هل فشلت الديمقراطية كفكرة (من حيث المواطنة والحريات) وكممارسة (من حيث الانتخابات وتداول السلطة)؟ وهل هي نظام غربي أم عالمي أثبت نجاحه في مختلف السياقات؟ وهل هي حل سحري لكل المشاكل أم مجرد آلية لتمثيل الشعب؟

قبل الخوض في هذه التساؤلات، أود التأكيد على أنني أتجنب إصدار أحكام مسبقة على سلوك حركة طالبان، مع الاعتراف بوجود مؤشرات على تغير في أسلوب حكمها. ومع ذلك، يجب أن تترجم هذه التغيرات إلى أفعال ملموسة.

على الرغم من اهتمامي بالحركات الإسلامية التي تبنت مفاهيم مثل الديمقراطية والعلمانية الجزئية، إلا أنني أرى أن هناك انبهارًا بانتصار طالبان، مما يعزز الخطاب الهوياتي القديم ويحول دون فهم الواقع وبناء دولة المواطنة. هذا يشير إلى تراجع فكري لدى الكثيرين.

سأركز هنا على شعارين رئيسيين:

"فشل الديمقراطية الغربية في أفغانستان"

هل فشلت الديمقراطية حقًا كفلسفة (مواطنة، حريات شخصية، حرية التعبير، حرية تشكيل أحزاب)، أو كإجراءات (انتخابات، تداول السلطة، فصل السلطات)؟ هل هي غربية أم كونية أثبتت صلاحيتها في مختلف أنحاء العالم؟ وهل الديمقراطية هي الحل لكل المشاكل أم مجرد آلية لتمثيل الشعب؟

يجب التمييز بين النظام الديمقراطي والعدالة الاجتماعية، فالعدالة تتطلب أنظمة اقتصادية واجتماعية عادلة. لا ينبغي إلقاء اللوم على الديمقراطية بسبب السياسات الرأسمالية الجشعة. إذا كان الغرب قد ساعد في تأسيس نظام ديمقراطي في أفغانستان، فإن فشله يعود إلى عدم اعتراف الخصوم السياسيين بنتائج الانتخابات وتفشي الفساد.

لا ينبغي أن ننبهر بالشعارات البراقة، بل يجب أن نسأل: هل كانت حماس ستفوز في الانتخابات لولا الديمقراطية؟ إذا كان من المنطقي أن تسعى طالبان إلى توافقات لتشكيل حكومة وحدة وطنية، فما هو النظام السياسي الذي ستتبناه الحركة لاحقًا؟ هل ستعود إلى نظام "أهل الحل والعقد"؟ إن انتقاد النظام الديمقراطي بسبب فشله في تحقيق تمثيل حقيقي للشعب يمكن أن يوجه أيضًا إلى العديد من الدول العربية التي تحكم بمفهوم "أهل الحل والعقد"، مما أدى إلى الاستبداد والتخلف وقمع الحريات.

"إقامة إمارة إسلامية تحكم بالشريعة"

الشعار الثاني هو إقامة إمارة إسلامية تحكم بالشريعة. هذا الشعار يثير تساؤلات حول الحريات الشخصية وعلاقتها بالشريعة. هل مثل هذا الخطاب لا يعيدنا إلى فكرة الفصل بين الدين والسياسة؟ وكيف نفسر الآية الكريمة "ادْعُ إِلَى سبيلِ ربِّكَ بالحِكمةِ والمَوعظةِ الحَسنة"؟ لمن نوجه الحديث عن ضبط الحرية الشخصية؟ للمؤمن أم للمواطن؟ يتبادر إلى الأذهان هنا قضية فرض الحجاب، ولكن ما هو المقصود بتطبيق الشريعة؟ هل هو فرض البرقع أم الحجاب أم الاحتشام؟ وهل سيطبق تفسير فقهي معين على الجميع؟ وهل رفض بعض الأفغانيات للحجاب "الكامل" هو نتيجة الانبهار بالثقافة الغربية أم هو خيار شخصي؟ بالمقابل، هل ارتداء البرقع هو نتيجة الانبهار بالثقافة السلفية الوهابية؟ لم يعد من المجدي الحديث عن ثقافة أصيلة وأخرى "متغربة"، فمن حق كل فرد أن يحدد مفهومه للخير العام، ودور الدولة هو حماية هذه الحريات دون التعدي على حقوق الآخرين.

من خلال متابعتي للنقاش حول الحريات الشخصية في العالم العربي، لاحظت تزايد خطاب الإسلاميين الجدد الذي يدعو إلى احترام هذه الحريات، على الرغم من تحفظات البعض. هذا الخطاب يقوم على التمييز بين الفعل السياسي والفعل الدعوي. آمل أن يكون التراجع الحالي عن هذا الخطاب مجرد رد فعل مؤقت، وإلا فإن ذلك سيؤدي إلى مزيد من الاستقطاب والصراعات، وسيفتح الباب أمام عودة العسكر وتحالفاتهم مع القوى الخارجية.

إلى أولئك الذين ينشرون "انتصاراتهم" في مجموعات "الواتساب" المغلقة، هل يمكنكم التفكير بخطاب متسق؟ خطاب يمكن توجيهه إلى المجموعة المغلقة والمجتمع والمجتمعات التعددية؟ بمعنى آخر، هل يمكن لمن يدافع عن حق الإمارة الإسلامية في فرض لباس معين على المرأة في أفغانستان أن ينتقد فرنسا لمنعها المحجبات من التعلم والعمل؟ كيف يمكن الدفاع عن فرض شكل معين من اللباس دون الاستفادة من العلوم الاجتماعية التي أظهرت أن أقل مدينة ذات أغلبية مسلمة تلبس النساء الحجاب فيها هي طهران، بعد عقود من فرضه؟

في خضم هذا الانبهار، أدعو إلى تجاوز الشعارات التبسيطية وإلى الاتساق الفكري والعودة إلى مفاهيم الدولة المدنية والتفكر في تبعات "تطبيق الشريعة الإسلامية" دون معالجة المعضلات الأخلاقية. يجب ألا نتخلى عن كل شيء، فالعداء للهيمنة الأجنبية يجب ألا يمنعنا من الاستفادة من أنظمة حكم أثبتت نجاحها، مثل الديمقراطية.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة